بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : لا يجوز أن تتبع الجنائز بما يخالف الشريعة الإسلامية ,
وقد جاء النهي عن ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( لا تتبع الجنائز بصوت ولا نار ) . [ أخرجه أبو داود 2/62 عن أبي هريرة ] .
ذهب العلماء إلى أنه يكره رفع الصوت بالذكر أو القرآن وهو قول الجمهور ورواية عند الحنفية يكره تحريماً , يقول ابن قدامة صاحب المغني 2/175 : ويكره رفع الصوت ثم الجنازة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنازة بصوت , قال ابن المنذر : روينا عن قيس بن عباد أنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت ثم ثلاث : ثم الجنائز وعند الذكر وعند القتال , وذكر سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا وإسحاق قول القائل خلف الجنازة استغفروا له , وقال الأوزاعي بدعة , وقال عطاء محدثة , وقال سعيد بن المسيب في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول استغفروا له غفر الله لكم .
ويقول ابن مفلح صاحب الفروع /205 : ويكره رفع الصوت ولو بالقراءة اتفاقاً قاله شيخنا وحرمه جماعة من الحنفية وغيرهم .
وقال ابن تيمية في مجموع فتاويه 24/293 : لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفاً , بل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يتبع الجنازة بصوت أو نار , رواه أبو داود , وسمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يقول في جنازة استغفروا لأخيكم فقال ابن عمر : لا غفر الله لك , وقال قيس بن عباد وهو من أكابر التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كان الصحابة يستحبون خفض الصوت ثم الجنائز وعند الذكر وعند القتال , وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة .
وقال الإمام الشربيني في مغني المحتاج 1/359 : ويكره اللغط وهو ارتفاع الأصوات في السير مع الجنازة لما رواه البيهقي من أن الصحابة كرهوا رفع الصوت ثم الجنائز وعند القتال وعند الذكر .
وقال الإمام الطحطاوي الحنفي : ويكره رفع الصوت قيل يكره تحريماً كما في القهستاني عن القنية وفي الشرح عن الظهيرية . [ حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/401 ] .
السبب في النهي :
والسبب في ذلك هو أنه تشبه بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين وقد نهينا عن التشبه باليهود والنصارى .
ونرى في عصرنا ما هو أقبح من ذلك وهو تشييع الجنازة بالعزف على الآلات الموسيقية أمامها عزفاً حزيناً كما يفعل بعض الجهلة في عصرنا , يفعلون ذلك خاصة للزعماء وغيرهم تقليداً للكفار , والموسيقى حرام وهي مزمار الشيطان .
وكذلك اتباع الجنائز بالطبول وبما يعرف عند العامة ( العدة والأعلام ) مرضاة للشيطان ومخالفة لسنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم , فإن هذه الأعمال بدعة مع ما يرافقها من صياح سواء بالذكر أو القرآن .
وما هو حال متبع الجنازة ؟
والمختار بل الصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة , ولا يرفع صوته بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما بل يشتغل بالتفكر في الموت وما يتعلق به وما يفعله جهلة القراء بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام يجب إنكاره , وكره الحسن وغيره استغفروا لأخيكم , قال الفضيل بن عياض : بينما ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلاً يقول : استغفروا له غفر الله له , فقال ابن عمر : لا غفر الله لك , منكراً عليه رفع صوته ومخالفته لما يجب أن يكون عليه في هذه الحال من تدبر وتفكر واتعاظ بالموت . [ المجموع , وفي الأذكار ص203 ] . ويقول ابن قدامة صاحب المغني 2/174 : يستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعاً متفكراً في مآله متعظاً بالموت وبما يصير إليه الميت , ولا يتحدث بأحاديث الدنيا ولا يضحك , قال سعد بن معاذ : ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها , ورأى بعض السلف رجلاً يضحك في جنازة فقال : أتضحك وأنت تتبع الجنازة لا كلمتك أبداً , وذكر الحسن عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يستحبون خفض الصوت ثم ثلاث : ثم الجنائز وعند الذكر وعند القتال .
ويقول الإمام الطحطاوي في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/401 : فإن أراد أن يذكر الله تعالى ففي نفسه أي سراً بحيث يسمع نفسه , وفي السراج : ويستحب لمن تبع الجنازة أن يكون مشغولاً بذكر الله تعالى والتفكر فيما يلقاه الميت , وأن هذا عاقبة أهل الدنيا وليحذر عما لا فائدة فيه من الكلام فإن هذا وقت ذكر وموعظة فتقبح فيه الغفلة , فإن لم يذكر الله تعالى فليلزم الصمت ولا يرفع صوته بالقراءة ولا بالذكر ولا يغتر بكثرة من يفعل ذلك , وأما ما يفعله الجهال في القراءة على الجنازة من رفع الصوت والتمطيط فيه فلا يجوز بالإجماع ولا يسع أحداً يقدر على إنكاره أن يسكت عنه ولا ينكر عليه .
نقول : فالواجب على القادر أن ينهى عن مثل هذه البدع , بل على كل مسلم أن يوصي أهله بأن لا يسير في جنازته ما يخالف شرع الله , فإنه قادم على الله تعالى , فهل يقدم عليه وهو راض بمعصية في يوم تشييعه إلى الله تعالى , فلا نتهاون في مثل هذه المعاصي .
والله تعالى أعلم